الثلاثاء، 9 أبريل 2013

إنسانية مُهدرة وطفولة مشوّهة في مكامر الفحم بالبصيلى

تحقيق : سارة حراز - محمود جمعه


تجبرك الرائحة على حبس أنفاسك  كلما مررت على طريق  مدينة ادكو حيث تمـر السيـارة على منطقة ( البصيلى ) تسمى  المنطقة هناك - بمناجم الفحم - منطقة يعيش سكانها على مهنة ورثوها عن أجدادهم وتعتبر مصدر حياة لأغلب السكان ، وهى تحويل الأخشاب إلى فحم فأمام كل بيت يوجد تلال من الأخشاب التي يحولها السكان بطريقة ما إلى فحم ، حقيقة لن يصدقها إلا من مر من هناك ورأى بعينه حقيقة الأمر بل وكتم أنفاسه خشية تلك الرائحة ليكتمل إحساسه بمعاناة أهالى هذه المنطقة.

مهنة تستلزم خطوات تحمل بين ثناياها آدمية تُهدر عمداً لمن يعملون بها ومن لا يعملون، فى البداية تجمع قطع الخشب وتغطى بالتراب الأسود مع وجود نار بسيطة في الأسفل لتلتهم بهدوء في بقية الخشب المغطى وتظل مشتعلة لمدة تتراوح ما بين 10الى 15 يوماً ليتحول الخشب إلى فحم وتطفأ المكمرة بالماء لتخرج بعدها الإنبعاثات والأدخنة بدرجة تكفى لإقناعك فعلياً انك تسير فى نفق مظلم لا تستطيع تحديد معالمه، وتكاد لا ترى يديك من هذا الدخان ليهدأ ويبدأ في التسلل لصدور كل قاطنى المنطقة ليفعل فعلته ويرحلوا هم ويبقى هو ليقوم بدوره مجدداً.

وأوضح ساكني المنطقة أنها الصنعة الأساسية لهم بخلاف فصل الشتاء الذي يحول ممارسة المهنة بسبب الأمطار وبجانب ذلك ينفقون عليها من حسابهم الخاص ، وفى بعض الأحيان يدفع لهم بعض الأفراد أموالاً كنوع من التجارة في الفحم وتجنباً للتلوث قام الاهالى بعمل مكمرة مجهزة بفوهة لتحمى سكان المنطقة والمشتغلين بها من أضرار الدخان، و وصلت تكلفتها إلى حوالي 70 ألف جنية وفشلت لعدم الخبرة الكافية والإمكانيات اللازمة لها.

ضد الحكومة

(سنكون يد واحدة إذا حاولت الحكومة هدم أكل عيشنا) اتفق على هذا الكلام ساكني هذه المنطقة بعد  حالات اليأس والفشل الذريع من قبل الدولة في معالجة هذا الأمر وذلك بعد مطالبتهم من مجلس الشعب السابق وليس المنحل في توفير مكان لممارسة هذه المهنة الشاقة أو حتى توفيرفرص عمل بسيطة وبديلة لهذه المهنة من أجل حياة كريمة وهى أبسط حقوقهم .

وصل المواطنين لهذه الحالة بعد فشل الإعلام في تناول القضية فعلى حد قولهم أن قناة الحياة ذهبت إلى هناك وقامت بالتصوير معهم وعلى الجانب الآخر قام الاعلامى محمود سعد بإلقاء الضوء عليهم ولكن فوجئ الناس بشن حملات عليهم بعد ذلك وخصوصاً من جهاز حماية البيئة حتى وصل الأمر على حد قول البعض هناك أن كل مواطن لدية محامى خاص به ليتفاوض له فى أمر المحاضر التى يحررها لهم جهاز حماية البيئة.

وأكد المواطنين بأن الأطفال يعانون من حساسية الصدر التي تزداد سوءاً مع نزلات البرد ومع سؤالي لأحد سكان المنطقة عن كيفية تحمل الأطفال لمثل هذه الرائحة التي أكاد اختنق منها ، فأجابنى بنفس اللفظ ( الأطفال اتبرمجوا على كدا وهنعمل إيه ما إحنا طالبنا بتوفير مكان بس محدش بيحس بينا ودلوقتى مفيش دولة ) .
هذه البيئة فرضت على الأطفال واقع لا يريد احد أن يحلم به وحرمتهم من أمتع لحظات حياتهم وكل ذلك بسبب غياب العقل والقلب لدى المسئولين في العهد البائد والحاضر.

مستقبل بلا ملامح

واتفق ساكني المنطقة على فقدان الأمل في المسئولين ولكن ما زالوا في انتظار عدالة السماء لتحقيق أحلامهم في يوم من الأيام ، ولكن ماذا ننتظر من طفل شوّهت طفولته ورجل فقد صحته وأم ضاع عمرها بلا جدوى فكل عائلة هناك عليها مليون علامة استفهام ومليون علامة تعجب ؟!

قرية بأكملها ليست السابقة في أمرها ولا الحدث الأخير في هذا البلد تعيش على هذه الصنعة التي ورثوها منذ القدم ولا تطالب إلا بحقها الطبيعي فى الحياة، في ظل غياب الحكومة الحالية وتعنت الحكومات السابقة ليبقى السؤال: ما المطلوب لنجدة هؤلاء الناس وهل لدى أى مسئول الشجاعة ليذهب هناك مع أولاده ؟
رسالة وجهها اليوم ساكني هذه المناطق – أغيثونا وارحمونا ربما دعوة منهم كانت سبب في إسقاط النظام البائد وما زلنا ندعو فاتقوا دعوة المظلوم.