الخميس، 28 فبراير 2013

ما قبل البداية

صباح جديد يحمل بين أشعته روتين أبدى لا ينتشلنى منه سوى بضع ساعات من النوم تحملنى إلى يوم أخر دون أن أشعر، تذكرت ما روادنى فى حلمى طمعاً فى نفى الملل فى هودج يجوب الصحراء بلا ناقة..نظرت لساعة الحائط وجدتها الثامنة صباحاً..انتزعت ملابسى من خلف باب غرفتى وتسللت عبر مرآته، المح هالات سوداء تسكن أسفل عينى بدون مقابل، أعتقد أنى وقعت لها إيجار قديم يوماً ما.

حملت فى يدى كتاب دراسى وجدته فى أرضية الغرفة، عبرت صفحاته الأولى بسلام وبعدها أخذنى لمكان أعرفه جيداً، ساحات كبيرة تَملئها تربةٌ صفراء، على جانبيها أشجار تنوى الرحيل لكنها مترددة فى التساقط لتـُفرز ما تبقى منها على ذكريات العاشقين.. مظلات تحوى فى ظلالها إناث يجلسن فى إنتظار شىء لا يعرفونه أو خُيل لهن كذلك..وذكور تلهث بشدة فى فراغ الأبنية..منهم من يغتصب سيجارة بلا رحمة وآخر يبتلع ريقه حين يشاهد أنوثة تتلوى كحية تبحث عن مأوى لها..وسلالم تحمل ثنائيات غريبة الأطوار تجلس بجانب بعضها توّحد معنى الإنسجام، كنت أخشى دائماً فعل شيئاً كهذا ربما لأن الثنائيات تأتى بمرض خطير يتفاقم مع الوقت؟! طالما تجنبتها واحتميت بوحدتى، فألمها يأتى على المدى البعيد..قد تُصيبك بالجنون، أو لعنة السواء حين تحتاج السبيل !!

أخذت أتجول داخل المبنى فوجدت أفعال لا تسر الحاضرين..صيغ جاهزة صُنعت قبل الميلاد تحتل أفواه قاطنى مكاتب الألوميتال البُنية..تلال من الأوراق تُعلن أنها صاحبة العرش بلا منازع, طيف من الأسئلة يتجدد كل دقيقة ويَمر مرور الكِرام بلا إجابات مُرضية, دفعنى فضولى أن أصعد الطوابق العليا..الطابق الثانى لا يختلف كثيراً عن الأول..والثالث يحظى بنصيب كبير من القاعات الفارغة شاهدت واحدة منها على عجلة وجدتها باهتة وقديمة وبها كراسى خشبية من النوع الرخيص  المُستهلك الذى يعرضه عليك صاحب فَرش الأفراح فى آخر خياراته حين تحاول أن تقتلع منه مبلغاً جديراً بإنفعاله.أما الطابق الرابع رأيت فى مقدمته لوحة مكتوب عليها " قسم الإجتماع / قسم الفلسفة "، رأيت لوحات مثلها فى الطوابق الأخرى لكنى لم اهتم بقراءة ما عليها..تحركت قليلاً حتى وقعت عينى على.....!!

سلوى..صاحبة ثانى صدمة فى الحياة، كانت جميلة كما هى، الشرور تعبث بنا أحياناً وتُجملّنا فترة أخرى ..هكذا قلت فى نفسى، رأيتها تتقدم تجاهى قبل أن يأتينى صوت من الخلف:

- ايه يا عم .. اتخرجت انت ونسيتنا

التفت لأرى من يحدثنى، وجدت إضاءة غرفتى تستغل جفونى المُنهكة وتتسلل إلى عينى، وأمى تقف بجانب الباب تقول لى:

- الساعة 6 يا مراد ، يلا بقى قوم عشان توصل بدرى.

أغمضت عينى لا إرداياً لمّا سقط الكتاب من يدى وجلست على الأرض أجر ظهرى بجانبى ، اتأمل غرفة غريبة غير التى كانت تعيش بداخلى من قبل..أوراق تعتلى الجدران عليها أشياء غريبة لم أقوى على قرائتها لمّا دققت النظر لها، مكتب ما زال مُحتفظ بوظيفته رغم ما فُعل به، وبرواز تخرج منه إبتسامة رقيقة تشبه إبتسامة سلوى..الباب ما زال مُغلقاً..والحقيقة ما زالت تائهة!!
 

يُتبع ...